6 أكتوبر 2025
يواجه مرضى السرطان في قطاع غزة أوضاعاً صحية صعبة للغاية، نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية، وتدمير البنية التحتية من مستشفيات ومراكز طبية ثابتة ومتنقلة، ومستودعات أدوية، لا سيما بعد تدمير مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني في نهاية عام 2023، وهو المركز الوحيد المتخصص لمرضى السرطان في قطاع غزة، وما تلاه من إغلاق لمستشفى غزة الأوروبي في منتصف مايو الماضي بعد أن سيطرت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو مركز الإحالة الرئيسي لمرضى الأورام في جنوب القطاع، كما أن الحصار المشدد الذي تفرضه، تسبب في تفاقم معاناة المرضى جراء النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية والوقود لعمل المستشفيات والأجهزة الطبية.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فهناك أكثر من (13,000) مريض بالسرطان في قطاع غزة، من بينهم (4200) سيدة، و(750) طفلة، كما يسجل شهرياً 200 حالة جديدة، وهناك (5000) مريض سرطان لديهم تحويلة عاجلة للعلاج بالخارج إما للتشخيص أو للعلاج الكيميائي والاشعاعي إلا أنهم لم يتمكنوا من السفر لتلقي العلاج.[1]
وفي هذا السياق، أفاد الدكتور محمد أبو ندى، المدير الطبي لمركز غزة للسرطان: يعاني مرضى السرطان من صعوبات كثيرة في قطاع غزة، أكثر من 70% من أدوية السرطان في غزة مفقودة أو رصيدها صفر حالياً، كما أن تعطل المداومة على العلاجات (انقطاع الدواء بسبب الحصار، أو نقص الوقود أو القصف أو النزوح المتكرر)، يفاقم الحالة المرضية، ويقلّل من فرص الشفاء، في حين أن هناك عجزاً وتأخراً في تشخيص وتقديم الخدمات، حيث أن أجهزة التشخيص المتقدمة (التصوير النووي، بعض أجهزة الإشعاع، الفحوص الجينية) غير متوفرة دائماً أو متوقفة، بالإضافة إلى تذبذب الإمداد الكهربائي وانقطاع الوقود يعيقان إجراء العلاجات الانتظامية (كمشغلات أجهزة الإشعاع أو البرودة أو تسخين الأدوية).[2]
وتمثل حالات سرطان الثدي نحو 30% من إصابات السرطان بين النساء، بمعدل 29 حالة لكل 100 ألف سيدة،[3]والنساء في غزة يحرمن من بروتوكولات وبرامج الفحص المبكر للوقاية والتشخيص والعلاج من سرطان الثدي، وهناك العديد من النساء اللواتي تم تشخيصهن بالمرض قبيل وخلال الحرب لا يتوفر لهن أدنى مقومات العلاج التخصصي والمتابعة الطبية، وتعتبر خدمات توفير أدوية السرطان من الخدمات الأكثر تضرراً جراء أزمة نقص الأدوية والمستهلكات الطبية وخاصة لسرطان الثدي.
وتلعب مستويات سوء التغذية دوراً مهماً في تفاقم حالات مرضى السرطان في غزة، خاصة السيدات والأطفال، إذ ارتفعت أعداد وفيات سوء التغذية في قطاع غزة إلى 459 شخصاً، من بينهم 154 طفلاً، ومنذ إعلان (IPC) للمجاعة في غزة في شهر أغسطس من العام الحالي، سجلت 181 حالة وفاة، من بينهم 39 طفل.[4]
وتتزايد معاناة مرضى السرطان جراء منعهم من السفر لتلقي العلاج، بسبب استمرار إغلاق معابر قطاع غزة، في وقت يعانون فيه من نقص حاد في الأدوية والعلاج الكيماوي والإشعاعي، الذي لا يتوفر بشكل كاف داخل غزة، وأوضح الدكتور محمد أبو ندى، أن هناك عدد كبير من المرضى لديهم تحويلات للعلاج في الخارج، لكنهم يُمنعون من الانتقال بسبب الإغلاق أو رفض التصاريح، من بين أكثر من 10,000 مريض يحتاجون للعلاج الخارجي، تمت الموافقة لتحويل حوالي 4500 مريض، لكن فعلياً غادر فقط حوالي 2000 مريض حتى الآن، كثير من المرضى يموتون بينما ينتظرون التصاريح.[5]
صرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "منذ إغلاق معبر رفح في أيار/مايو من العام الماضي، تولت منظمة الصحة العالمية مسؤولية تنسيق جميع عمليات الإجلاء الطبي، وتُجرى معظم هذه العمليات للإصابات، وعلاج السرطان، وأمراض القلب، ورعاية العيون، والتشوهات الخلقية، ومع ذلك فإن حوالي 15,600 مريض لا يزالون ينتظرون الإجلاء الطبي، من بينهم 3,800 طفل. وأضاف: "في الوقت الحالي، لا نستطيع إجراء عمليات الإجلاء إلا مرة واحدة في الأسبوع.[6]
أفاد والد الطفلة (ق.م)، ابنتي عمرها ثلاث سنوات، مصابة بمرض السرطان في الدماغ، ولا يوجد لها علاج في مستشفيات قطاع غزة، وتعيش في خيمة في مواصى خان يونس لا يتوفر فيها أي من مقومات الحياة وبدون علاج، ومعها تحويلة طبية منذ أكثر من عام، ولكن لم تستطيع الخروج من غزة أو توفير العلاج لها داخل القطاع، وأخشى أن أفقد ابنتي إن لم نتمكن من تحويلها أو إيجاد العلاج لها.
وبحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية أُجريت على 300 مريضة بسرطان الثدي، فإن الحرب في غزة كان لها تأثير سلبي كبير على جودة حياة المريضات، وأن التعرض المباشر لأحداث الحرب مثل النزوح المتكرر أو فقدان أحد أفراد العائلة ارتبط بانخفاض ملحوظ في الوظائف الجسدية والعاطفية والمعرفية، كما تسببت الحرب في تعطيل الوصول إلى الرعاية الصحية والعلاج الكيميائي بسبب تدمير المراكز أو انقطاع الأدوية، مما زاد من تدهور الحالة النفسية والجسدية للمريضات.[7]
كما أن الضغط النفسي والاجتماعي والاقتصادي تعد عوامل إضافية قد تفاقم من الحالة الصحية للمرضى، حيث يعاني الكثير من المرضى والأسر من الأعباء المادية الشديدة لتأمين الدواء، والتنقل، والنزوح، والشعور بالعجز، وفقدان الأمل، وغيرها من التأثيرات النفسية المصاحبة للمرض في ظل الحصار والحرب.
أفادت (أ.ع) سيدة من قطاع غزة تعاني من السرطان، نزحت إلى جنوب قطاع غزة وعشت في خيمة لمدة عام ونصف، ومن ثم عدت إلى شمال القطاع، والآن أعود مرة أخرى إلى العيش في خيمة، اجتمع على المرض، وضيق الحال، والحر، والبرد، والحشرات، والقوارض، وأنا في مرحلة لا أعرف ما هي ملامحها، وأُوضع أمام خيارات كلها صعبة جداً.
مركز الميزان لحقوق الإنسان، يدين بشدة استمرار جرائم قوات الاحتلال في سياق حرب الإبادة الجماعية، واستمرارها في فرض الحصار المشدد على قطاع غزة، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية التي فاقمت من الأوضاع الصحية للمرضى، لا سيما مرضى السرطان، ويؤكد المركز على أن استمرار استهداف المنشآت والطواقم الطبية ومنع مرور إرساليات الدواء والمستلزمات الطبية، يهدف إلى المساس بجوهر الحق في الصحة الجسمانية والعقلية والحق في الحصول على العلاج المناسب، وإيقاع أكبر الخسائر في صفوف المدنيين، ما يمثل جرائم حرب تفرض التدخل ومحاسبة المسؤولين عنها.
وعليه، يطالب المركز المجتمع الدولي بالتحرك والتدخل الفاعل لإجبار قوات الاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية بكل أشكالها وبشكل دائم، ورفع الحصار، وإنهاء كافة القيود والمعوقات أمام حصول المرضى على خدمات الرعاية الصحية، والسماح بسفر المرضى إلى الخارج لتلقي العلاج، وتسهيل مرور إرساليات الأدوية والمستهلكات والمستلزمات الطبية كافة، والسماح للطواقم الطبية والوفود بالدخول إلى قطاع غزة، وإعادة تأهيل المستشفيات ومراكز الخدمات الصحية والخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي والكهرباء وغيرها من الخدمات التي لا غنى عنها لحياة السكان.